📁 آخر الأخبار

لماذا نحلم؟ تفسير علمي ونفسي لأغرب ظاهرة يعيشها الإنسان يوميًا

الحلم هو تجربة نفسية معقدة تحدث خلال النوم، ويُعتبر من أقدم الظواهر التي حاول الإنسان تفسيرها وفهمها عبر التاريخ. على الرغم من أن كل إنسان يحلم يوميًا تقريبًا، فإن طبيعة الحلم وأسباب حدوثه لا تزال تثير الفضول وتساؤلات العلماء من مختلف التخصصات، سواء كانوا علماء أعصاب أو علماء نفس أو حتى فلاسفة. يعتبر الحلم نافذة فريدة إلى أعماق العقل الباطن، ويقدم لمحات عن الأفكار والمشاعر التي قد لا تظهر في اليقظة. في هذا المقال سنستعرض التفسيرات العلمية والنفسية المختلفة لظاهرة الحلم، ونحاول كشف أسرار هذه التجربة اليومية التي لا تزال محاطة بالغموض.

لماذا نحلم؟ تفسير علمي ونفسي لأغرب ظاهرة يعيشها الإنسان يوميًا

ما هو الحلم؟

الحلم هو سلسلة من الصور والأفكار والعواطف التي تحدث خلال مرحلة معينة من النوم تُعرف بمرحلة حركة العين السريعة (REM Sleep). يتميز الحلم خلال هذه المرحلة بنشاط دماغي عالي مماثل لما يحدث أثناء اليقظة، لكنه يكون مرفقًا بانعدام حركة العضلات الإرادية، مما يمنع الجسم من تنفيذ ما يتم رؤيته في الحلم فعليًا (1). تختلف مدة الحلم من بضع ثوانٍ إلى حوالي نصف ساعة، وتتكرر هذه المرحلة عدة مرات خلال الليل.

لماذا نحلم؟

هناك العديد من النظريات التي حاولت تفسير سبب الحلم، ولم يُتفق بعد على تفسير شامل يشرح كل جوانب الحلم. من أهم هذه النظريات:

1. نظرية معالجة المعلومات والذاكرة

وفقًا لهذه النظرية، يُساعد الحلم الدماغ على معالجة المعلومات التي جمعها الإنسان خلال اليوم، وتنظيمها في الذاكرة طويلة الأمد. يشير الباحثون إلى أن الأحلام تلعب دورًا مهمًا في تثبيت الذكريات وتقوية التعلم، بحيث يقوم الدماغ أثناء النوم بمراجعة المعلومات وتنقيحها وتصنيفها (2).

2. نظرية التعبير العاطفي والنفسي

يرى علماء النفس، وعلى رأسهم سيغموند فرويد، أن الأحلام تعكس الرغبات المكبوتة والمخاوف والمشاعر التي يصعب التعبير عنها خلال اليقظة. فالحلم يوفر متنفسًا للجانب اللاواعي من العقل، ويسمح لنا بالتعامل مع التوترات النفسية والقلق بطرق رمزية (3).

3. نظرية التنشيط العصبي

تشير هذه النظرية إلى أن الأحلام ليست سوى نتيجة لعملية عشوائية في الدماغ أثناء مرحلة حركة العين السريعة، حيث تُنشط مناطق الدماغ المختلفة بشكل عشوائي، ويحاول العقل تفسير هذه الإشارات بتكوين قصة أو سيناريو منطقي (4).

مراحل النوم وعلاقتها بالحلم

ينقسم النوم إلى مراحل مختلفة، أهمها مرحلة النوم العميق ومرحلة حركة العين السريعة (REM). الأحلام الأكثر وضوحًا وحيوية تحدث عادة خلال مرحلة REM. في هذه المرحلة يكون الدماغ نشطًا بشكل كبير، وتحدث تغيرات في نشاط الأعصاب، مما يؤدي إلى تنشيط مناطق مسؤولة عن الذاكرة والمشاعر والتصورات البصرية (5).

الأحلام والرؤية الثقافية والتاريخية

لطالما شكل الحلم جزءًا مهمًا من الثقافات والحضارات القديمة، حيث اعتبرته شعوب كثيرة رسالة من الآلهة أو نافذة إلى عوالم أخرى. في الحضارات المصرية واليونانية القديمة، كانت الأحلام وسيلة للتنبؤ بالمستقبل أو توجيه القرارات الهامة. كما تناولت الكتب الدينية والفلسفية موضوع الأحلام، حيث ارتبطت بالروحانية والوعي العميق (6).

الأحلام والدماغ: ماذا يحدث أثناء الحلم؟

تُظهر دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي والدماغي أن مناطق مثل القشرة الدماغية البصرية، وجهاز الحصين المسؤول عن الذاكرة، والنواة الأمامية للدماغ تلعب أدوارًا مهمة أثناء الحلم. في المقابل، يقل نشاط المناطق التي تتحكم في المنطق واتخاذ القرار، مما يفسر طبيعة الأحلام غير المنطقية أحيانًا (7).

الأحلام المزعجة والكوابيس

الكوابيس هي أحلام تحمل محتوى مزعجًا أو مخيفًا، وتحدث غالبًا نتيجة لضغوط نفسية أو اضطرابات النوم أو الصدمات النفسية. الكوابيس قد تلعب دورًا في التحذير أو التهيئة النفسية لمواجهة المخاطر، ولكن تكرارها يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للفرد (8).

دور الأحلام في الصحة النفسية

تشير الأبحاث إلى أن الأحلام تلعب دورًا مهمًا في توازن الصحة النفسية، إذ تساعد الدماغ على معالجة الصراعات العاطفية والتوتر. كما أن التوقف المفاجئ عن مرحلة النوم التي تحدث فيها الأحلام يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب (9).

تفسير الأحلام: العلم مقابل التفسيرات الشعبية

على الرغم من الاهتمام العلمي المتزايد بالأحلام، لا تزال تفسيرات الأحلام في الثقافة الشعبية تعتمد على رموز ومعاني غالبًا ما تكون غير دقيقة أو شخصية جدًا. تحاول بعض المدارس النفسية، مثل مدرسة التحليل النفسي، تقديم تفسير مبني على الرموز النفسية، إلا أن العلم الحديث يعتمد على دراسة الدماغ ووظائفه لتفسير هذه الظاهرة (10).

هل يمكن التحكم في الأحلام؟

تقنية "الأحلام الواعية" أو "Lucid dreaming" هي حالة يكون فيها الحالم مدركًا أنه يحلم، ويمكنه في بعض الأحيان التحكم في مجريات الحلم. يُعتقد أن هذه التقنية يمكن أن تُستخدم في علاج بعض اضطرابات النوم والقلق، كما أنها تفتح آفاقًا جديدة لفهم طبيعة الوعي واللاوعي (11).

الخلاصة: الحلم ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد

يبقى الحلم من أكثر الظواهر التي تثير الفضول والبحث العلمي، فهو يجمع بين أبعاد بيولوجية، ونفسية، وثقافية، وروحانية. بالرغم من التقدم الكبير في علوم الأعصاب وعلم النفس، فإن تفسير الحلم لا يزال يتطلب المزيد من البحث لفهم كيف ولماذا يحدث. تظل الأحلام نافذتنا إلى أعماق العقل الباطن، تحمل معها أسرارًا عن الذات والكون لا تزال تنتظر من يكشفها (12).

قائمة المراجع

(1) Hobson, J. Allan. The Dreaming Brain: How the Brain Creates Dreams. Basic Books, 2002.
(2) Stickgold, Robert. "Sleep-dependent memory consolidation". Nature, 2005.
(3) Freud, Sigmund. The Interpretation of Dreams. Basic Books, 2010.
(4) Crick, Francis, and Mitchison, Graeme. "The function of dream sleep". Nature, 1983.
(5) Maquet, Pierre. "The role of sleep in learning and memory". Science, 2001.
(6) Cirlot, J. E. A Dictionary of Symbols. Routledge, 2002.
(7) Braun, Allen R., et al. "Regional cerebral blood flow throughout the sleep-wake cycle". Brain, 1997.
(8) Levin, Ross, and Nielsen, Tore A. "Disturbed dreaming, posttraumatic stress disorder, and affect distress". Psychological Bulletin, 2007.
(9) Walker, Matthew P. Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams. Scribner, 2017.
(10) Domhoff, G. William. The Scientific Study of Dreams. American Psychological Association, 2011.
(11) LaBerge, Stephen. Lucid Dreaming: Psychophysiological Studies of Consciousness during REM Sleep. Springer, 1985.
(12) Revonsuo, Antti. "The reinterpretation of dreams: An evolutionary hypothesis of the function of dreaming". Behavioral and Brain Sciences, 2000.

تعليقات